فكيف هو الأمر إذن مع الكتب التي أستطيع القول إن مطالعتها غيرت حياتي؟ لأسلط الضوء على هذه المشكلة أتقدم إلى مكتبتي (حدث هذا قبل أيام قليلة) وأتنقل بنظراتي على ظهر الكتب. وكما يحدث دائما في هكذا مناسبات، أي إذا تجمعت الكثير من النماذج على بقعة صغيرة وتاهت العين في الكثرة، أدوخ في البداية ولكي أتمكن من التغلب على الدوخة أمد يدي على غير هدى إلى رفوف المكتبة، آخذ منها كتابا ما وأدير ظهري كأني حصلت على غنيمة، أفتحه، أتصفحه وأنشغل بالقراءة.
.....
وهنا أشعر بانقباض مجهول. لقد استولى علي المرض القديم من جديد، فقدان الذاكرة الأدبية. فقدان الذاكرة الأدبية الكلي. وتغمرني موجة من الاستسلام للقدر لأتساءل عن جدوى كل السعي إلى المعرفة، السعي عموما. لماذا نقرأ إذن، لماذا أقرأ مثلا هذا الكتاب من جديد، إذا كنت أعرف أني لن أتذكر منه أي شيئ على الإطلاق بعد قليل؟ لماذا أفعل شيئا على الإطلاق، إذا كان كل شيئ سيضيع؟ لماذا أعيش إذا كنت سأموت؟ أغلق الكتاب الجميل، أنهض وأتوجه إلى رفوف المكتبة كالمنهار، كالمعذب، وأدس الكتاب بين صفوف المجلدات الأخرى المجهولة، الشاملة والمنسية.
شارك