كنت قد وصلت توا إلى فيشغراد وأريد أن أرتاح قليلا من جولات قراءة روايتي الأولى. كان معي نسخة أهديتها لها، بالألمانية، ما هو عديم المعنى.

سألَت جدتي: هل هذا هو الكتاب المكتوب عنا؟

انطلق لساني على الفور وقلت إن الخيال كما أراه يشكل عالمه الخاص بدل أن يعكس عالمنا وهذا الموجود هنا، نقرت على غلاف الكتاب، عالم تتحدث فيه الأنهار ويعيش فيه الأجداد إلى الأبد. قلت: الخيال كما أتصوره، نظام مفتوح قائم على المبالغات، المدركات والذكريات، يحتك بما حدث في الواقع.

"يحتك؟"، سعلت جدتي خلال كلامي ورفعت طنجرة كبيرة لمحشي الفليفلة لتضعه على الموقد. "اقعد، أنت جوعان". لفّت الكتاب ووضعته على أصيص كتحفة تنتصب على قاعدة. بعد هذا جاءت عبارة كسب النقود.

.......

أخت جدتي الكبيرة، خالتي زاغوركا، لم تكن راغبة في انتظار أزمنة أفضل. أرادت أن تدخل المدرسة، أرادت أن تصل السماء، أن تطير. أرادت أن تكون رائدة فضاء. تعلمت العناد مبكرا ومن ثم القراءة والحساب وذلك بمساعدة التوأم الكسيح تودور وتيودور. في الخامسة عشرة من عمرها، بعد الحرب العظمى، أدارت ظهرها لجرود طفولتها. لم تأخذ معها سوى عنزتها التي كانت صديقة مسامراتها في الجبل وانطلقت في الطريق إلى الاتحاد السوفييتي. تعلمت الطيران في مثلث بانات على يد طيار هنغاري وفي ليلة معتدلة على مدرج مطار في حوض بانويا عشقت، رجلا آخر. ظلت ثلاثة أعوام تغسل المراحيض في ثكنة عسكرية في فيينا وتعلمت الروسية على ضفة الدانوب على يد ألكسندر نيكولاييتفيتش، من صف الضباط في الخدمة البيطرية. كان ألكسندر يعزف الغيتار ويغني، لا يتقن الاثنين لكنه يستمتع بهما. على ضفاف الدانوب غنى الروسي، ابن مدينة غوركي على الفولغا، لأجل عيني خالتي زاغوركا، ابنة قرية ستانيشيفاتس على نهر رزاف، عن الأنهار والمدن والعيون العسلية، وربما عن عيون زرقاء، سيان الآن ما كان لون العيون، وكانت خالتي طامعة في شيء يختلف عما يطمع فيه الروسي. غادرت فيينا مع عنزتها الحبيبة وبعض المال وكذلك أوراق صف الضابط الروسي وقَصة شعر قصيرة. وصلت موسكو في يوم ميلادها التاسع عشر. أنهت تدريباتها على الطيران الحربي بامتياز وقُبلَت في عام 1959 في الدائرة الواسعة لأول مجموعة رواد فضاء في الاتحاد السوفييتي